كأس البر تقال
ازدادت نبضات قلبه ..وازداد العرق المتصبب فوق جبينه ..بحث عن ريقه لكنه لم يجده ، عزم امره ..ودخل.
لا أحد ينظر إليه .. لا بد انهم صدقوا أنه سائح ..ربما ظنوه من اسبانيا ..أو من امريكا الجنوبية –المهم أن تنكره قد حقق الغاية .
هدأت نفسه قليلاً ..مسح المكان بعينه " أين سأجلس ؟"اراد أن يلقي بجسده على أقرب مقعد ..لكنه تذكر ما قالوه "في الوسط .. في منتصف المكان ".
وجد لنفسه-بصعوبة-مائدة خالية بالقرب من الوسط –فهذه ساعة الغذاء و المكان مزدحم .." هذا أفضل .." فكر بصمت .
ألقى نظرة إلى الساعة ..أحس أن الوقت يمر بسرعة ..تمنى لو يستطيع تحطيمها علّها توقف معها الزمن ... اعادت حركة العقارب اضطرابه ..اغمض عينيه وتمتم آياته ..
داهمه صوت الجرسون ..لم يفهم ما قاله ..لا يهم..رد عليه بالإنجليزية "كأس من البرتقال ..بارد جداً ..وبسرعة " ..
"لماذا السرعة؟؟" تساءل في نفسه " أحقاً أريد أن اشربه؟" ..داهمته رغبة غريبة بالابتسام، لكنه تذكر عينيها … وخجل .. أحس انه أناني " اجلس هنا ،اشرب البرتقال وابتسم بينما هي ستتمزق ألماً بعد قليل " ..اسرته عيونها ،كانتا تحدثانه ..تبتسمان لابتسامته وتبكيان لحزنه ..آه كم يحبها..وفجأة طرأت على باله فكرة "ماذا لو..؟؟ كلا لن أُلغيها .. أؤجلها يوماً ..أو يومين حتى أخبرها ...لا أريدها أن تسمع الخبر من غيري "..مد يده إلى الحزام ..كاد أن يبطل العبوة
"البرتقال.."فاجأه صوت الجرسون بانجليزية ثقيلة ..انتفض مذعوراً و رفع يده قبل أن يلاحظ ما يفعله ...شكره بتلعثم ..
نظر إلى البرتقال ..أراد أن يعيد يده إلى خاصرته لكن عيناه تسمرتا على ذلك الكأس ..لم يستطع رفعهما عنه ...
"ترى من أين جاءوا بالبرتقال؟" ألح عليه سؤال غريب ..أراد أن يطرده من باله ..ازداد إلحاحاً..
"من البيّارات طبعاً...لكن ..من أيّها ؟"لم يفلح في إسكات السؤال،فحاول أن يجيبه كي يكف عنه.. "من بيارة جدي أو عمي ..ربما من بيارة جارنا الذي قتل وهو يدافع عنها ..أو ..أو ربما هو من بيّارتنا ؟..بيارة والدي ؟ لا ..لا لقد احترقت ..رفض ان يغادرها فاحرقوها ..واحرقوه معها … كنّا صغاراً ..ورحل ..لم ينس أن يعود لأخذ أمي بعد يومين ( فالأصيلة ) –كما كان يحلو له ان يناديها –لم تستطع فراقه ..كم كانت عيناها جميلتان تبسمان لابتسامة أبي..وتحزنان لحزنه ..
لم يدرِ من أين جاء إليه هذا الكمُّ من الغضب ..صعد إلى رأسه و ملأ جنبات نفسه ..غضب لم يشعر به قبلاً طوال حياته .. امسك الكأس بيده
ورفعها في الهواء ..وقف منتصباً وقد ضيّع وجههُ ملامح الإرتباك والحذر .. التفت إليه الأشخاص على الموائد القريبة ..ربما ظنوه يريد أن يقدم نخباً-
"هذا برتقالي " أجاب عيونهم المتسائلة برتقالي يا أوغاد!"صاح بعربية غاضبة .ارتسم الرعب على الوجوه .. ولم يكد أحدٌ يغادر مقعده حتى كانت يده قد وجدت طريقها إلى زر التشغيل .. و..انفجر المكان في لحظات ، تطايرت أشلاؤه في كل مكان ..انتشر الدم والرعب في كل المدينة ،وترامت الجثث باعداد كبيرة ...وأقسموا أن قلبه ..كان لا يزال هناك ..ينبض ..حين وجدوه إلى جوار كأس البرتقال .